Back

أكثر وضوحًا، أكثر دراماتيكية … من أولئك الذين هم أكثر حساسية؟

سراج – فلسطين – رام الله- روان الشني – التلفاز أمامي مليء بالبرامج التي لا أعلم محتواها، وأرى دائمًا ما يسمونه المذياع على أحد الرفوف في البيت ، وكما عُلمت في مدرستي أنه من وسائل الاعلام وتبث فيه الاخبار والبرامج الاذاعية صوتًا دون صورة، أنا الطفل عماد القطري من فئة الصم، وضعت أمامي أيقونات كثيرة من علامات التعجب والاستفهام، ماذا يحصل؟ لا فرق بين التلفاز والمذياع لديهم،  فهم لا يملكون رفاهية الاختيار أو حاجتهم  ورغبتهم  بمعرفة ما يدور حولهم، كُل ما  يملكونه هو الانزعاج المربك بداخلهم ، ومعاناة مؤلمة كأنهم في معزل عن هذا العالم .

تقول والدة الطفل عماد القطري ” ما سبق هو صوت طفلي المسموع في اذني أو بالأحرى ما نقلته لغة الاشارة التي اتحدث بها معه ، يشكو ويعبر بحرقة ، لغة عينيه، غضبه، إيماءته التي تعكس ما هو أعمق مما حاولت ترجمته في السطور السابقة “.

كشفت دراسة أجرتها الباحثة حنان أبو منصور في الجامعة الاسلامية في غزة أن الحساسية الانفعالية ذات أثر كبير على المهارات الاجتماعية لدى الصم، إذ تشكل الحياة الانفعالية جزءًا هامًا في الشخصية، حيث أوضحت مدى تأثيرها في توجيه سـلوك الفـرد وتتدخل إلى حد كبير في سلامته النفسية، ويمثل الانفعال جانباً هاماً في عملية النمو الشاملة، لأنـه أحد الأسس التي تساعد في بناء الشخصية السوية؛ فهي تعمل على تحديد وتوجيه مـسار النمـو الصحيح لتلك الشخصية بكل ما تحمله من عواطف وأفكار وما تحققه من أنماط السلوك المختلفة .

عزيزي القاريء ارغب بإيصال مصطلح ” الحساسية الانفعالية ” من خلال هذه الدراسة التي تعبر عن سمو المشاعر الإنسانية، فالأصم يلازمه شعور الانفعال؛ فيعبر عن قلقه بعدم الانخراط أو التعامل السوي مع الأطفال العاديين؛ تجده يحاول التقرب من الجميع بهدف اثبات الذات، وما اذ واجهه موقفٌ لا يُذكر يبالغ في ردة فعله جدًا،، جداً وجداً.

جميلون جدًا … لنأخذ فكرة

الإنسان لا يحتاج فقط إلى الطعام والشراب والهواء الذي يمده بالنمو بل أيضا يحتـاج إلى جانب ذلك تهيئة الجو العاطفي والانفعالي السليم، وإتاحة الفرصة أمامه للتعبير عن انفعالاتـه وتدريبه على ضبطها بما يتناسب مع الموقف المثير وتعبيره عن انفعالاته بصورة طبيعية يكـون دليلا على الاتزان الانفعالي، والمبالغة في التعبير يكون دليلا على شخصية غير مستقرة انفعالياً وشخصية حساسة انفعاليا.

والآن… لنقيس هذه الدراسة على الصم الذين تجاوز عددهم في فلسطين 72000 حالة، كيف يمكن التعامل مع الأمر؟

علاقتـهم بالآخرين والناس مفعمة باتجاهات انفعاليـة متذبذبـة لـذلك يفـضلون الانعزال حيث يشعرون بالأمن وحدهم فوجودهم مع الآخرين يروعهم ويـشعرهم بـالقلق لـذلك نراهم يعانون من القلق الاجتماعي والحساسية الانفعالية، تعددت التفسيرات النظرية للمشكلات النفسية والسلوكية للصم إلا أنها تتمركز بـصفة عامة حول افتقار الشخص الأصم إلى القدرة على التواصل الاجتماعي مع الآخرين.

وكذلك أنماط  التنشئة غير السوية، وهم يتواصلون فيما بينهم بطرق غالبا مـا لا يفهمهـا السامعين، مما يجعل وضعية الأصم في عالم غيرهم في وضعية مختلفة تدفع الآخرين باتجاه تمييـزهم والتحيز السلبي ضدهم.

السخرية … سلاح قاتل لهم

“الأصم قادر على العطاء والعمل والتفكير.. إذا هيأنا له الإمكانات ومنحناه الفرصة، علماً بأنهم وصلوا إلى أعلى المراتب وحصلوا على شهادات عليا”.

فكيف يمكننا التعامل معهم دون أن نشعرهم باختلافهم مع عدم وجود الوعي لدى الأشخاص المحيطيين؟ ولأننا لا نستطيع السيطرة دائمًا على تلك المواقف فنحن في صدد المجاراة ومراعاة مشاعرهم ومزاجهم؛ فالحساسية الانفعالية و التأثر الشديد بمواقف عاديه أمرُ حتماً لا يعبأ به الآخرون، والـشخص الحساس انفعاليا الذي غالبًا ما يكون لديه أحد الإعاقات الجسدية أو السمعية أو البصرية، هو الذي يتأثر أكثر من اللازم بالعوامل الخارجية المحيطة به والخارجة عنه فقد يفسر الكلمة على أكثر مما تحتمل ويفسر النظرة والحركة ويبالغ مبالغـة لا معنـى لها، ويتسم في المواقف الضاغطة الخفيفة بتعطيـل الأحكـام والجعجعـة والجــدل والطبـع الصعب.

وإلى جانب المهارات الاجتماعية التي يكتسبها الأصم من البيئة المجتمعية المحيطة، تؤثر الانفعـالات بقـوة فـي سلوكياته داخل الجماعة المحيطة به، ففهمه للآخرين وفهمُهُ للبيئة المحيطة ومـشاركته فـي الأنشطة المختلفة وتطور سلوكه الاجتماعي يُمكنه من السيطرة على انفعالاته والتعبيـر المناسـب عنها؛ الأمر الذي يؤثر بشكل واضح على شخصيته كَكُل.

طريقهم .. أقوى من الكلام

مديرة مجمع الخدمات الإنسانية في جمعية الهلال الأحمر سهير بدارنة تقول انها و خلال مسيرة تعليمة طويلة في العمل مع الأطفال الصم تمكنت  من تحقيق البنية الأساسية لبيئة تعليمية فاعلة وآمنة ومنسجمة مع مبادئ التربية المدنية وحقوق الإنسان، ولكنها لم يكن بسبب الانفعالات المفرطة امرا سهلا ابداً، وفي نفس الوقت، تنسجم مع الطالب الأصم لتصبح علاقتك به أقوة في بعض الاوقات من والدته، التي لم تتعرف على ما يثير انفعاله مثلي.

وتضيف بدارنة:” تمكين الطلاب ذوي الإعاقة السمعية، وتحقيق  فرص متكافئة لهم في المجتمع، والسعي إلى إدماجهم بمحتلف فئاتهم العمرية بمجتمعاتهم يكون  من خلال إكسابهم مؤهلات وكفاءة في إنجازاتهم لتحسين حياتهم وتطويرها، عبر تقديم الخدمات التعليمية والتأهيلية والبرامج الفاعلة والأنشطة المساندة، علماً أن المدرسة تضم الصفوف من الأول الأساسي ولغاية الصف الثاني عشر الأدبي، وتعتمد المنهاج المقرر من وزارة التربية والتعليم من خلال تطبيق برنامج الاتصال التام”، حوار بدارنة عكس رحلة طويلة من الصعوبات، فأوصت بأخذ الحيطة والحذر في طريقة كلامنا وأسلوبنا أثناء التواجد مع أحد الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة والتفكير أن كل كلمة وكل تصرف هو بمثابة ردة فعل لهم تؤثر على المدى البعيد، وقد تكون بالغالب دون ان يدري الشخص ماذا فعل.

ما توصلت اليه الدراسة … الاحساس لغتهم  

لغة الصم والبكم ليست مجرد اشارات وإنما احساس ومشاعر نبيلة يجب أن تتوافر في كل من يتعامل مع هذه الفئة التي تحيطها الأسرار، المشكلة والتي تزداد عندما يجدون أنفسهم في معزل عن المجتمع أنهم يشعرون بالغربة حتى مع وجود الناس من حولهم، فالهدف الأول للجمعيات التي هي أن ترعى كيفية اندماجهم في المجتمع، هؤلاء من لديهم القدرة على التعبير عن مشاعرهم الفياضة التي يفهمها مترجمو الاشارات عن حياتهم ومشاكلهم وأسرارهم .

ونظرا لما يعانيه الأصم من مشكلات نفسية وضعف في المهـارات الاجتماعيـة، ومـن خلال اهتمام الباحثة بفئة المعاقين سمعياً؛ حيث تعاملت معهم مـدة طويلـة فارتـأت أن تتنـاول الحساسية الانفعالية وعلاقتها بالمهارات الاجتماعية فجاءت هذه الدراسة والتي بعنوان ” الحساسية  الانفعالية  وعلاقتها بالمهارات الاجتماعية لدى المعاقين سمعياً في فلسطين ” لتعي الناس بضرورة ضبط النفس في التعامل مع من أهداهم الله ابتلاءً يشفع لهم في دنياهم.

الدراسة كاملة هنا

روان الشني -فلسطين - رام الله
خريجة هندسة صوت من جامعة فلسطين التقنية خضوري فرع رام الله .